لقاء الجالية اللبنانية في البرازيل
الإثنين، ٠٩ أيار، ٢٠٠٥
كلمة الرئيس نجيب ميقاتي في لقاء الجالية اللبنانية – البرازيل
أيها اللبنانيون،
أيها البرازيليون المتحدّرون من أصل لبناني،
يسعدني أن تكون هذه زيارتي الأولى خارج لبنان، رئيسا للحكومة اللبنانية، وأن تكون اليكم في البرازيل هذه الزيارة الأولى، بما تعنيه البرازيل من رمز مشعّ، هي المسمّاة "قلعة الانتشار اللبناني"، لأنها تضم أكبر جالية لبنانية ومتحدّرة خارج لبنان، تبلغ نحو ضعفي سكان لبنان المقيمين، ونحو خمسة أضعاف جميع الجاليات اللبنانية مجتمعة في العالم.
ويسعدني أن تكون الجالية اللبنانية في البرازيل، منذ جيل المهاجرين الأوائل لغاية جيلها الثالث والرابع اليوم، تحافظ على ولائها لوطنها الحالي البرازيل، وعلى وفائها لوطنها الأصلي لبنان. وهذا دليل على الأصالة اللبنانية التي – أينما انتشرت في العالم – تحافظ على ولائها للوطن الذي ولدت فيه، وعلى وفائها للوطن الأول الذي تحدّرت منه.. لبنان.
كما يسعدني أن تكون زيارتي اليوم اليكم على عتبة مرحلة مفصلية يبلغها لبنان، طالعا الى انتخابات تشريعية نأمل أن تأتي الى المجلس النيابي بكفاءات جديدة تواصل مسيرة الاعمار والانماء، كي يستمر لبنان في استعادة دوره وحضوره ورسالته في دول المنطقة وفي العالم.
وهذا الاستمرار في استعادة الدور، يفترض منا جميعا أن نتكاتف في المساعدة والمساهمة والمشاركة، حتى نبني معا ما يجب أن يبنى، ونؤسس معا ما يجب تأسيسه، ونتّحد معا على الهدف الواحد والغاية الوحيدة والوصول الموّحد.
وهذا الاستمرار لا يقوم على اللبنانيين المقيمين وحدهم – مع ما لدى المقيمين من طاقات وكفاءات وقدرات، بل يتّكل أيضا على أبناء لبنان المنتشرين في العالم، المهاجرين والمتحدّرين، حتى يظلّوا أوفياء للدم الذي يسري في عروقهم من آبائهم وأجدادهم اللبنانيين، فيكونوا بارّين بأصولهم وجذورهم اللبنانية، عملا بقول جبران: "لاتقل ماذا فعلت لي بلادي، بل قل ماذا الذي فعلته أنا لبلادي". وهو القول الذي تبنّاه الرئيس الأميركي جون كينيدي فصار مثلا في العالم.
لذلك، من هنا، من هذا الجمع اللبناني البرازيلي النخبوي الراقي، أقول لكم: ظلوا على ولائكم للبرازيل بلادكم الغالية، وساهموا بالاستثمار في بلادكم الأم لبنان، لأن لبنان اليوم على أهبة ورشة كبرى من المشاريع والاستثمارات التي لا تحتاج اسهامكم المجّاني، بل توظيف طاقاتكم المادية والعقلية والوطنية، من أجل أن يكون الجناح اللبناني المهاجر رديفا للجناح اللبناني المقيم حتى يحلّق طائر الفينيق من جديد في سماء العالم نقيا بهيا جليا برسالته الرائدة في الشرق وفي العالم.
فلتكن مساهمتكم قوية في بناء لبنان، وفي مختلف ما يمكن أن تسهموا به، وفق اختصاصاتكم وأعمالكم في المجالات الاقتصادية والثقافية والسياحية والاجتماعية، وما أنتم عليه قادرون في قطاعاتكم، من دون أن تؤثر هذه المساهمة على اسهامكم في نهضة بلادكم البرازيل. فليكن ولاؤكم قويا للبرازيل من دون أن ينسيكم هذا الولاء ما يجري في شرايينكم من دم لبناني.
انّ في لبنان اليوم مشاريع كثيرة لنهضته الاقتصادية والانمائية والاعمارية والسياحية والاجتماعية، تعود بالنفع على لبنان وعلى المساهمين فيها و المستثمرين، فهاتوا مبادراتكم حتى ينهض بكم ومعكم وبفضلكم لبنان.
أيها اللبنانيون،
أيها البرازيليون المتحدّرون من أصل لبنان،
أقول لكم هذا الكلام، لا من التنظير العاطفي الرومانسي بل من المنطق الاقتصادي العملي، لأنني أعرف كم تعرفون أهمية الاقتصاد في بناء الأوطان. فكونوا أبناء الحميّة اللبنانية، أبناء النهضة اللبنانية، أبناء الطموح اللبناني الذي امتذّ الى أربعة أقطار العالم، حتى بات لبنان مشهورا بأن أبناءه المنتشرين في العالم هم أضعاف أبناءه المقيمين، وجميعهم ناجحون في بلدان انتشارهم، فاعلون في بلدان انتشارهم، فما أحرى أن يغنم لبنان أيضا من ابنائه المنتشرين الناجحين، يسهمون في مشاريع لبنان على أرض لبنان، كي يصحّ فيهم ما أعلنه قبل سنوات في البرازيل الصحافي اللبناني شكري الخوري في جريدته البرازيلية "أبو الهول"، حين قال: "والله والله، لو كان للقمر طريق، لرأيت لبنانيا حاملا كشتّه وصاعدا اليه، ولبنانيا آخر شكّ دواته في زنّاره وسار الى القمر ينشئ فيه جريدة أو مدرسة". و اليوم، في مطلع الألفية الثالثة، بعدما صار الى القمر طريق، لن نطلب أن تسلكوه الى القمر، بل أن تسلكوا درب لبنان الى لبنان، توظّفون فيه طاقاتكم فتعود طاقاتكم بالنفع عليكم وعلى لبنان.
ألا فلتعمّروا لبنان من وطنكم البرازيلي العظيم، وكونوا على الولاء للبرازيل والوفاء للبنان، تربحوا بهذا رضى البرازيل عليكم أبناءه الأوفياء، وتربحوا غبطة لبنان بكم أحفاده الأوفياء، فتكبر بكم البرازيل ويكبر بكم لبنان.
عاشت البرازيل بلادكم...
و عاش لبنان وطن آبائكم...
و عشتم غالين أوفياء لوطنكم البرازيل ووطن آبائكم لبنان.